ماتت «إنجى»، رمز البراءة فى السينما المصرية، كان بعض أشرار الإعلام ممن يسعون إلى ما يُسمى السخونة على حساب أى قيمة أو محتوى، يستضيفون مريم فخر الدين فى السنين الأخيرة، مستغلين للأسف كبر السن وصراحة أبناء الأصول الأوروبية فى إيقاعها فى فخاخ ينفلت فيها اللسان، لتزيد الإعلانات، لكننا كنا قادرين على الفرز، وكنا قادرين على الاحتفاظ بصورة «إنجى» البريئة الجميلة الهادئة الرومانسية التى ازداد عطشنا إليها فى زمن الجفاف العاطفى والتصحّر الرومانسى الذى نعيشه، ما زالت نظرتها الحانية لـ«على» فى «رد قلبى» تغسل وجداننا وتطمئننا على أن الحب لم ينتحر بعد، ما زال مشهد «عبدالحليم» وهو يغنى لها «بتلومونى ليه.. تا.. لو شفتم عينيه.. حلوين أد إيه»، ما زال غناء «العندليب» للشعر الحرير «ع الخدود يهفهف» يرن فى آذاننا ويداعب وجداننا، برغم سذاجة المشهد سينمائياً، فنحن نتعامى ونتغافل، متعمدين عن أى سذاجة، فنحن نعرف أنه لا يمكن أن يجلس اثنان على الكورنيش فى مصر ويظل الحبيب يغنى والحبيبة تنظر إليه صامتة لا تنبس ببنت شفة، لكننا عطشى إلى مثل هذه السذاجة، نحن فى أشد الاحتياج إلى هذا اللامعقول السينمائى، عندما قرأت خبر وفاتها تداعت إلى ذهنى كل هذه المشاهد الحالمة، وهى تخرج من رحم هذا الزمن الكئيب بكل ما يحمله من مشاهد الدمار والتفجير والبتر والذبح والسحل، نحن لدينا أنيميا حادة فى الحب والعواطف والتواصل، نحتاج إلى كورسات حليمية مريمية كثيرة، نحتاج دروساً خصوصية تكون فيها «إنجى» هى النموذج بنظرتها الحانية وصفائها الروحى وصوتها الذى تلتئم به الجروح وتجبر الكسور والشروخ، من المؤكد أن الكثيرين ممن يقرأوننى الآن يضحكون ويسخرون من هذه الرومانسية ويسمونها إغراقاً فى الماضى أو حلماً مستحيلاً ونوستالجيا زائفة، على العكس تماماً أنا أستدعى هذا النموذج الرومانسى من أجل المستقبل، فما سيقتلنا وما سيجعلنا نفشل فى العبور من أزماتنا ليس نقص الوعى السياسى والجفاف الحزبى فقط، بل هو الجفاف العاطفى، نحن أكثر الشعوب غناءً للحب وأقل الشعوب ممارسة له، نحن أكثر الشعوب كبتاً لمشاعر الحب وتزييفاً لها وإدانة لكل معانيها وسخرية من مظاهرها، ما أحوجنا إلى إنجى فى زمن «أوكا وأورتيجا».